فصل: تفسير الآية رقم (6):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (105):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [105].
{وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً} أي: مائلاً عن الأديان الباطلة.
لطيفتان:
الأولى: إقامة الوجه للدين كناية عن توجيه النفس بالكلية إلى عبادته تعالى، والإعراض عما سواه، فإن من أراد أن ينظر إلى شيء نظر استقصاء يقيم وجهه في مقابلته، بحيث لا يلتفت يميناً ولا شمالاً؛ إذ لو التفت بطلت المقابلة، فلذا كني به عن صرف العمل بالكلية إلى الدين، فالمراد بالوجه: الذات. أي: اصرف ذاتك وكليتك للدين، فاللام صلة.
الثانية: جملة {وأن أقم} عطف على {أن أكون} وجاز حكاية صلة {أن} بصيغة الأمر، لأنه لا فرق في صلة الموصول الحرفي بين الطلب وبين الخبر، لأن القصد وصلها بما يتضمن معنى المصدر، وهو يحصل بكل فعل. وقال بعضهم: إن هنا فعلاً مقدراً. أي: وأوحي إلي أن أقم، وأنه يجوز أن تكون {أن} مصدرية ومفسرة، لأن في المقدر معنى القول دون حرفه، ثم رجحه بأنه يزول فيه قلق العطف، ويكون الخطاب في وجهك في محله. ورد بأن الجملة المفسرة لا يجوز حذفها، ولا قلق في هذا العطف، وأمر الخطاب سهل؛ لأنه لملاحظة المحكي، والأمر المذكور معه، كذا في العناية.
وقوله تعالى: {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} تهييج وحث له على عبادة الله تعالى، ومنع لغيره، كما تقدم.

.تفسير الآية رقم (106):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} [106].
{وَلاَ تَدْعُ} أي: لا تعبد: {مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ} أي: لا في الدنيا ولا في الآخرة إن عبدته: {وَلاَ يَضُرُّكَ} إن لم تعبده: {فَإِن فَعَلْتَ} أي: عبدته: {فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ} أي: الضارين لنفسك، أو بوضع الأمر في غير موضعه: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: من الآية 13].

.تفسير الآية رقم (107):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [107].
{وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} لما نهى تعالى عن عبادة الأوثان، ووصفها بأنها لا تنفع ولا تضر، بين أنه سبحانه هو الضار النافع، الذي إن أصاب بضر لم يقدر على كفه إلا هو وحده، دون كل أحد، كيف بالجماد الذي لا شعور به؟! وكذلك إن أراد بخير لم يرد أحد ما يريده من فضله وإحسانه، فكيف بالأوثان؟! فهو الحقيقي إذاً بأن توجه إليه العبادة دونها.
لطائف:
قيل: ذكر المس في أحدهما، والإرادة في الثاني، للإشارة إلى أنهما متلازمان، فما يريده يصيبه، وما يصيبه لا يكون إلا بإرادته، لكنه صرح في كل منهما بأحد الأمرين، إشارة بالذات، فلذا لم يعبر فيه بالإرادة.
وقيل: قصد الإيجاز، فذكر في كل من الفقرتين المتقابلتين ما يدل على إرادة مثله في الأخرى لاقتضاء المقام تأكيد كل من الترغيب والترهيب، وهو نوع من البديع يسمى احتباكاً.
قال أبو السعود: على أنه قد صرح بالإصابة حيث قيل يصيب به إظهاراً لكمال العناية بجانب الخير، كما ينبئ عنه ترك الاستثناء فيه، أي: يصيب بفضله الواسع المنتظم لما أرادك به من الخير.
روى ابن عساكر عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفخات ربكم، فإن لله نفخات من رحمته، يصيب بها من يشاء من عباده، واسألوه أن يستر عوراتكم، ويؤمن روعاتكم». ورواه عن أبي هريرة بمثله.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (108):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} [108].
{قُلْ} أي: لأولئك الكفرة الفجرة، بعد ما بلّغتهم دلائل التوحيد والنبوة والمعاد، وأنذرتهم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ} يعني القرآن: {فَمَنِ اهْتَدَى} أي: بالإيمان به {فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ} أي: منفعة اهتدائه لها خاصة {وَمَن ضَلَّ} أي: بالكفر به: {فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا} أي: فوبال الضلال عليها. والمعنى: لم يبق لكم بمجيء الحق عذر، ولا على الله حجة، فمن اختار الهدى وإتباع الحق فما نفع إلا نفسه، ومن آثر الضلال فما ضر إلا نفسه، وفيه تنزيه ساحة الرسالة عن شائبة غرض عائد إليه عليه السلام من جلب نفع أو ضر، كما يلوح به إسناد المجيء إلى الحق من غير إشعار بكون ذلك بواسطته،- أفاده أبو السعود-.
{وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ} أي: بحفيظ موكول إليَّ أمركم، وإنما أنا بشير ونذير.

.تفسير الآية رقم (109):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [109].
{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} أي: في التبليغ، وإن لم يهتدوا به {وَاصْبِرْ} أي: على أذاهم في الدعوة: {حَتَّىَ يَحْكُمَ اللّهُ} أي: لك بالنصرة عليهم والغلبة: {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} وقد حكم وشاء قتلهم وأسرهم يوم بدر، وله الأمر من قبل ومن بعد.

.سورة هود:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

القول في تأويل قوله تعالى: {الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [1].
{الَر} تقدم الكلام على مثلها في أول سورة البقرة فليتذكر.
{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} أي: نظمت نظماً رصيناً محكماً معجزاً، وأثبتت دائمة على حالها لا تتبدل ولا تتغير ولا تفسد، محفوظة عن كل نقص وآفة: {ثُمَّ فُصِّلَتْ} أي: لأنواع من دلائل التوحيد والأحكام والمواعظ والقصص، كما تفصل القلائد بالفرائد. أو جعلت فصولاً سورة سورة، وآية آية، أو فصل فيها ما يحتاج إليه العباد، أي: بيَّن ولخَّص.
قيل: {ثم} هنا للتراخي في الحكم، أي: الرتبة، أو التراخي بين الإخبارين، لا للتراخي في الوقت، لأن التفصيل والإحكام صفتان لشيء واحد، لا تنفك إحداهما عن الأخرى، فليس بينهما ترتب وتراخ، وهذا التكلف على أن {ثم} تقتضي الترتيب، وقد خالف قوم في اقتضائها إياه، كما حكاه في المغني.
{مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} أي: إحكامها وتفصيلها من لدن حكيم بناها على علم وحكمة، لا يمكن أحسن منها، وأشد إحكاماً، وخبير بتفاصيلها على ما ينبغي في النظام الحكمي في تقديرها وتوقيتها وترتيبها- قاله القاشاني-.
قال الزمخشري: وفيه طباق حسن؛ لأن المعنى أحكمها حكيم وفصلها، أي: بينها وشرحها خبير عالم بكيفيات الأمور.

.تفسير الآية رقم (2):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} [2].
{أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ} قال القاشاني: أي: تنطق عليكم بلسان الحال والدلالة، ألا تشركوا بالله في عبادته، وخصوه بالعبادة.
وقال الزمخشري: {أَلِّا} مفعول له، أي: لئلا. أو أن مفسرة، لأن في تفصيل الآيات معنى القول، كأنه قيل: قال لا تعبدوا إلا الله، أو أمركم ألا تعبدوا إلا الله.
وقوله تعالى: {إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} كلام على لسان الرسول، أي: إنني أنذركم، من الحكيم الخبير، عقاب الشرك وتبعته، وأبشركم منه بثواب التوحيد وفائدته.

.تفسير الآية رقم (3):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} [3].
{وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ} أي: من الشرك: {ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ} لطاعة. أو المعنى: ثم أخلصوا التوبة واستقيموا عليها، كقوله: {ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: من الآية 30] و[الأحقاف: من الآية 13].
{يُمَتِّعْكُم مَّتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى} أي: يطول نفعكم في الدنيا بمنافع حسنة مرضية، من عيشة واسعة ونعم متتابعة إلى وقت وفاتكم، كقوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل: من الآية 97].
{وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ} أي: ويعط كل ذي فضل في العمل الصالح في الدنيا أجره، وثواب فضله في الآخرة.
{وَإِن تَوَلَّوْاْ} أي: تتولوا عن التوحيد والتوبة إليه: {فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} وهو يوم القيامة.
قال القاشاني: {كبير} أي: شاق عليكم، وهو يوم الرجوع إلى الله، القادر على كل شيء، أي: يوم ظهور عجزكم وعجز ما تعبدون، بظهوره تعالى في صفة قادريته، فيقهركم بالعذاب، ولذا قال تعالى:

.تفسير الآيات (4- 5):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [4- 5].
{إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
ثم بيَّن تعالى إعراضهم بجسمهم أيضاً، إلى الإشارة إلى توليهم بقلبهم، بقوله: {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ} أي: يزورون عن الحق واستماعه بصدورهم: {لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} أي: في قلوبهم: {وَمَا يُعْلِنُونَ} أي: يجهرون بأفواههم: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي: بما في ضمائر القلوب. ونظير ما حكي هنا عن مشركي مكة من كراهتهم لاستماع كلامه تعالى، ما قاله تعالى عن قوم نوح: {وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَاراً} [نوح: 7]، وما ذكرناه هو أظهر ما تحمل عليه الآية- والله أعلم-.

.تفسير الآية رقم (6):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [6].
{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا} أي: ما تعيش به، وإنما جيء بـ: {على} اعتباراً لسبق الوعد به، وتحقيقاً لوصوله إليها البتة، بطريق التكفل الشبيه بالإيجاب: {وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا} أي: مسكنها في الدنيا، أو في الصلب: {وَمُسْتَوْدَعَهَا} أي: بعد الموت، أو في الرحم: {كُلٌّ} أي: من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها: {فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} أي: مسطور في كتاب عنده تعالى، مبين عن جميع ذلك.
ثم بيَّن تعالى عظيم قدرته وتكوينه وإبداعه بقوله:

.تفسير الآية رقم (7):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [7].
{وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} من الأحد إلى الجمعة: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} أي: ما كان تحته قبل خلق السماوات والأرض وارتفاعه فوقها إلا الماء. وفيه دليل على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل السماوات والأرض- كذا في الكشاف-.
قال القاضي: أي: لم يكن بينهما حائل، لا أنه كان موضوعاً على متن الماء.
قال قتادة: ينبئنا تعالى في هذه الآية كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السماوات والأرض.
روى الإمام أحمد عن أبي رَزين- واسمه: لقيط بن عامر العُقَيْلي- قال: قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه؟ قال: «كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء، ثم خلق العرش بعد ذلك» ورواه الترمذي وحسنه وقال: قال أحمد: يريد بالعماء أنه ليس معه شيء.
وقال البيهقي في كتاب الأسماء والصفات: العماء ممدود كما رأيته مقيداً كذلك، ومعناه السحاب الرقيق، أي: فوق سحاب، مدبراً له، وعالياً عليه. كما قال تعالى: {ءأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاء} [الملك: من الآية 16]، يعني من فوق السماء. وقوله: ما فوقه هواء أي: ما فوق السحاب هواء. وكذلك قوله: وما تحته هواء أي: ما تحت السحاب هواء.
وقد قيل: إن ذلك العمى مقصور، بمعنى لا شيء ثابت، لأنه مما عمي عن الخلق، فكأنه قال في جوابه: كان قبل أن يخلق الخلق ولم يكن شيء غيره. وما فيهما نافية. أي: ليس فوق العمى الذي هو لا شيء موجود هواء، ولا تحته هواء؛ لأنه إذا كان غير موجود فلا يثبت له هواء بوجه. انتهى ملخصًا.
وقال ابن الأثير: العماء في اللغة السحاب الرقيق، وقيل الكثيف، وقيل هو الضباب، وفي الحديث حذف، أي: أين كان عرش ربنا؟ دل عليه قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء}.
وحكى بعضهم أنه العمى المقصور. قال: وهو كل أمر لا يدركه الفَطِن.
وقال أبو عبيد: إنما تأولنا هذا الحديث على كلام العرب المعقول عنهم، وإلا فلا ندري كيف كان ذلك العماء!.
قال الأزهري: فنحن نؤمن به ولا نكيف صفته.
وقوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} أي: أخلصه، متعلق بـ: {خلق} أي: خلقهن لحكمة بالغة، وهي أن يجعلهن مساكن لعباده، وينعم عليهم بفنون النعم، فيعبدوه وحده، ويتسابقوا في العمل الذي يرضيه. ولما كان الابتلاء والاختبار لمن تخفى عليه عاقبة الأمور، قيل: إنه هنا تمثيل واستعارة، فشبه معاملته تعالى عباده في خلق المنافع لهم، وتكليفهم شكره، وإثابتهم إن شكروا، وعقوبتهم إن كفروا، بمعاملة المختبر مع المختبَر، ليعلم حاله ويجازيه، فاستعير له الابتلاء على سبيل التمثيل {ليبلوكم} موضع ليعاملكم ويصح أن يكون مجازاً مرسلاً، لتلازم العلم والاختبار. أي: خلق ذلك ليعلم، أي: ليظهر تعلق علمه الأزلي بذلك.
قال القاشاني: جعل غاية خلق الأشياء ظهور أعمال الناس. أي: خلقناهم لنعلم العلم التفصيلي التابع للوجود الذي يترتب عليه الجزاء: {أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} فإن علم الله قسمان: قسم يتقدم وجود الشيء في اللوح، وقسم يتأخر وجوده في مظاهر الخلق، والبلاء الذي هو الاختبار هو هذا القسم- انتهى-.
ونحو هذه الآية قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [ص: من الآية 27]، وقوله: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُون فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: 115- 116]، وقوله سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].
وقوله تعالى: {وَلَئِن قُلْت} أي: لأهل مكةَ: {إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ} أي: مُحْيَون: {مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا} أي: القول بالبعث، أو القرآن المتضمن لذكره: {إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} أي: مثله في الخديعة والبطلان.